اليكم الجزء الثانى من حياه بيكاسو
وتعرف المرحلة الزرقاء في حياة بيكاسو مرحلة البؤس والتشريد بين ( باريس وبرشلونة وملقه ) فتقاسم غرفته مع صديقه ( ماكس جاكوب ) على أن ينام احدهما ليلاً في السرير الوحيد والآخر في النهار وكانت حصة بيكاسو النوم على ذلك السرير في ساعات النهر ويقضي الليل بالرسم والقراءة . وكانت لوحات بيكاسو تكاد تكون من لون واحد ضارب إلى الزرقة فسميت المرحلة الزرقاء . وقد أقام بيكاسو معرضاً لم تبع أي لوحة منه إلا أن شارل موريس احد المقربين إلى الفنان غوغان كتب مدحاً في المعرض : أليس هذا الطفل الرهيب الناضج بصورة مبكرة مؤهل لإضفاء قدسية النتاجات العملاقة على الشعور السلبي بالحياة وعلى " الحقارة " التي يئن هو نفسه تحت وطأتها أكثر من أي شخص آخر . وفي نهاية عام 1904 تعرف بيكاسو على الشاعر ( جيوم أبولونير ) وبواسطته تعرف على العديد من الشعراء والفنانين ثم دخلت حياته ( فيرناندا أوليفير ) التي شاركته الحياة طوال سبع سنوات وفي عام 1905 م زار هولندا ورسم هناك لوحته المعروفة ( الهولندية الحسناء ) . وسميت هذه المرحلة " المرحة الوردية " وقد اشترى تاجر اللوحات ( فيلار ) كل أعماله الوردية عاد بيكاسو إلى برشلونة للراحة واعتزل في قرية نائية تدعى ( جوسول ) وهناك بدأ مرحلته " الزنجية والأيبرية " . أي الآثار الفنية الأفريقية ( الفن الزنجي ) والنحت الأيبري القديم . وعند عودته لباريس تجددت لقاءا ته بماتيس وديراين التي تصفها الكاتبة ( جيرتورد شناين ) : " لقد كانت لقاءاتهم تمثل لحظة حرية بالتأمل فهناك انفعال سائد في الجو الاجتماعي " . وفي خريف عام 1907 قام بيكاسو والفنان الفرنسي جورج براك بمحاولتهما التكعيبية الأولى و أقاما معرضهما الأول عام 1911 م باسم " التكعيبية التحليلية " وتعني تجزئة الجسم إلى أجزاء هندسية ومكعبات . إلا أنه بعد مدة أهمل بيكاسو المنظور مضيفاً للأشياء خطوطاً و ألواناً من نسيج الخيال لاستكمال التكوين ، وهنا نشأ أسلوب ( الكولاج ) أي التلصيق الذي شاع استخدامه فيما بعد بين التجريبيين و السورياليين . وفي أثناء الحرب العالمية الأولى استدعى براك للخدمة العسكرية وبقي بيكاسو يرسم الوجوه وقرر العمل مع الكاتب المسرحي ( جان كوكتو ) كمصمم للديكور وراسم للستائر . سافر بيكاسو إلى روما وهناك قابل أستاذ الباليه الشهير ( دياجيليف ) كما تعرف على ( بسترافنسكي ) أحدث المؤلفين الموسيقيين في القرن العشرين . وتزوج براقصة الباليه الروسية ( أولغا كوجولوفا ) عام 1918 م التي أنجبت له ولده ( باولو ) وعاد بيكاسو للكلاسيكية ... في الوقت ظهرت فيه الحركة الدادئية التي ارتبطت بزمن الحرب العالمية الأولى . و الدادئية هي صراع من اجل التعبير المباشر التي تزعمها ( أندريه بريتون ) ( وأراغون وبول أيلول ) .
وهنا انتقل بيكاسو إلى تحريفات عنيفة للشكل " جروتسكية " وهو أسلوب ينطوي على إغراب و إغراق في السخرية والتشنيع ، أي القضاء المتعمد على وحدة الشخصية . ومن عام 1927 م اتخذت هذه الطريقة صورة شنيعة مجسمة كالتماثيل يكاد يستحيل التعرف فيها على أي عنصر إنساني . حاولت السوريالية كحركة ضم بيكاسو إلى حلقاتها ولكنها فشلت . في سنوات الحرب العالمية الثانية لازم بيكاسو باريس يرسم وينحت بانعزال تام ومنعت أعمله من عرضها على الجمهور .
كما أن النازية نعتت فن بيكاسو بالانحطاط لكن ( الجستابو ) لم يتجاسر على المساس بها بل أن جنرالات الجيش الهتلري المحتل لفرنسا كانوا يزورونه بين الحين والآخر . وزاره يوماً ( أوتو ابتز ) مندوب هتلر في باريس عرضاً عليه زيادة نصيبه من الأغذية والوقود لكنه رفض ذلك بإباء . وعندما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ظهر بيكاسو كنحات من طراز فريد وأقيم له معرضان كبيران أحدهم في متحف اللوفر والثاني في المكتبة الوطنية .
وقد قال بيكاسو :
" إن فن التصوير لم يخلق لتزيين الحجرات " تقول الكاتبة الأمريكية ( جروتر ودشتاين ) في كتاب لها عن بيكاسو عام 1937 م :
" إن الأشياء التي رآها بيكاسو كنت هي الأشياء الكائنة وينبغي ألا ننسى أن حقيقة القرن العشرين ليست هي حقيقة القرن التاسع عشر وقد كان بيكاسو هو الرسام الوحيد الذي شعر بذلك . ف ( ماتيس ) وجميع الآخرين رأوا القرن العشرين بعيونهم لكنهم لم يبصروا سوى حقيقة القرن التاسع عشر أما بيكاسو فكان الوحيد بين الرسامين المعاصرين الذي رأى القرن العشرين وأبصر حقيقته